إلى متى سنبقى رقماً متداولاً في سجلات النفاق؟ مقال بقلم ابن قلنسوة نواف زميرو
أكتب هذه المقالة بعد أن شاء القدر أن أقابل إنسانة تحدت إعاقتها وآمنت بقدراتها على العطاء والانجاز وسارت على درب الإرادة والطموح، واكتست بلباس الإصرار والمثابرة والطموح، وأبحرت في بحر العلم والثقافة، وتخطت الحاجز تلو الآخر، حتى نالت شهادة البكالوريوس، لقد عانت كثيراً ولكنها تحدّت، تألمت ولكنها صبرت، تعبت ولكنها نشطت من جديد، وبكت ولكن دموعها روت بذور الأمل وانبتت شجرة وسط صحراء موحشة وقاسية، أغصانها الصبر والتحمل والثبات وجذورها الثقة والإيمان والتحدي وثمارها الوفاء والعطاء والإنتاج.
إيمانها بالله سبحانه وتعالى وبالقضاء والقدر منحها القدرة على مكافحة الألم والاستسلام، وتشبثت بالأمل الذي يضخ الحياة بالأوردة، فحكمة الخالق سبحانه وتعالى الذي إذا ابتلى عبداً بألم وبأي نوع من أنواع الألم فإنّه يعوّضه في الدنيا أو في الآخرة، وفائدة العوض العائدة على الإنسان تكاد أن تكون أعظم من الألم الواقع عليه، فذكاؤها يظهر خلال حديثها وأفكارها ومشاعرها، وقوة شخصيتها تبدو للعيان وهي ترفض الجهل والضعف والخمول ومخلصه لدينها ومدافعه عن وطنها ومجتمعها.
وهذه الإنسانة التي تعاني من إعاقة حركية مستديمة، أرادت أن تشارك مجتمعها بثمار شجرة حياتها اليانعة، فانتماءها ووفاءها لمجتمعها من أسس أخلاقها النبيلة، فبعد عناء طويل وجهد جهيد دام أربع سنوات تحت كنف الجامعة، استطاعت أن تبلغ الحلم الذي دغدغ خواطرها وألهب حماسها، إذ تخرجت بتفوق، وبدأت بالبحث عن إطار عمل يتلاءم مع شهادتها الجامعية، وكانت لديها رغبة شديدة في أثبات وجودها، ولكن صدمتها كانت عظيمة عندما رفضوا طلبها بدون أسباب مقنعة!! فقط لأنها خُلِقَت معاقة !! فقط لأنها تستعمل العربة الكهربائية !!! فقط لأن هنالك عجز في جسمها!!!
نعم إنها معاقة...ولكن إعاقتها لا تجردها من حقها في العمل واثبات قدراتها وكسب رزقها بكرامة كأي إنسان آخر. إنها لا تريد شفقة احد بل تريد حقها الذي سُلب وصودر دون تخويل من احد!!!
وبدموع تبلل كلماتها كانت تتحدث بمرارة مطلقة، فنطق فؤادها قبل لسانها، متسائلة عن الذنب الذي اقترفته تجاه هؤلاء المتسلطين عديمي الضمير والوعي الاجتماعي، وتضيف إننا مفخرة لكل أمة تتباهى بحضارتها وبقدرات أفرادها، وختمت حديثها بعبارة شعرتُ بإيقاع كلماتها كأنه أزيز رصاص يشق صمت الجدران، "لماذا هؤلاء المتسلطون بارعون في تحطيم الأحلام وإحباط الآمال !!! لماذا"؟
تساؤلات نتوق لمعرفة أجوبتها، فيبدو أننا بحاجة لتأسيس معهد لتدريب المسئولين على حسن الخلق والرقة والتواضع فمنهم من يتفنن بهذه الانتهاكات، بغطرسة ولا مبالاة، أحدهم يغلق النوادي الترفيهية للمعاقين والآخر يحرمهم من سفريات لتلقي العلاجات الضرورية.
إلى متى سيستمر هذا الاستبداد والظلم الصارخ؟ إلى متى ستستمر سياسة إغلاق الأبواب في وجوهنا؟ إلى متى سنبقى رقماً متداولاً في سجلات النفاق؟ إن قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، فهل يعون ما يقرأون أو يفعلون؟ إنهم يحكمون علينا بالفشل والضعف وانعدام القدرة دون مرافعة أو محاكمة!!!
ولكن لن يضيع حق وراءه مطالب، نعيد ونكرر أننا لسنا من يتوسل إليكم لنيل حقوقنا ولسنا بحاجة لعطف قلوبكم بل سنناضل ولن يُثنينا شيء عن الاستمرار في متابعة النضال والاعتصام تلو الآخر لتحقيق مآربنا وإيقاف الانتهاكات ونيل حقوقنا لنتمكن من العيش براحة في المجتمع ومعايشة الإعاقة ومحاولة التغلب عليها ما أمكن.
إخواني وأخواتي
نحن ندرك أن الحياة تتطلب السير بجد وإصرار، وكل واحد منا قابل العديد من الأبواب المغلقة، والطرق المسدودة، ولكن بسلاح الصبر والثبات سنتصدى لكل من يحاول أن يتعدّى على أحلامنا وحقوقنا وسنجعل من الفشل نجاحا ومن الهزيمة نصرا...
فاحذروا أيها الجالسون وراء هذه الأبواب فنحن نتحداكم ونتحدى أبوابكم، فلدينا أنجع الأسلحة وأقواها!!! فنحن أصحاب حق والساكت عن الحق شيطان أخرس.