منتدى بكرا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


كل ما يخطر في بالك ستجده هنا ادخل واستمتع معنا اخر الاخبار الرياضيه والفنيه والسياسيه وجميع انواع الترفيه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حبيب الروح

حبيب الروح


ذكر
عدد الرسائل : 472
العمر : 31
الموقع : http://www.bokra.mam9.com
أحترامك قوانين المنتدى : 0
تاريخ التسجيل : 28/03/2008

الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟ Empty
مُساهمةموضوع: الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟   الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟ Emptyالأربعاء يونيو 11 2008, 15:38

الجريمة والعقاب واحدة من أفضل الروايات العالمية التي أعطت أجوبة صريحة وصورة واضحة عن القيمة التافهة والدنيا للإنسان البسيط

الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟ 16082008130101

رواية فيدور دوستويفسكي (الجريمة والعقاب) واحدة من أفضل الروايات العالمية التي أعطت أجوبة صريحة وصورة واضحة عن القيمة التافهة والدنيا للإنسان البسيط في مجتمع قميء تسوده العلاقات البرجوازية الاستغلالية القاسية..

إنها (موسوعة الحياة الروسية في ستينيات القرن التاسع عشر). كتاب الشجن العظيم الذي كشف عدمية الإنسان وتشوهات المجتمع المريض ودكتاتورية الحكم المطلق..، عبر لوحات الرعب والفقر والحاجة وانتهاك كرامة الإنسان والوحدة وانحباس الهواء وكتم الأنفاس وغياب الحرية.

يحاول دوستويفسكي في روايته البحث عن مخرج في عالم الفائدة والحساب والربح والخسارة.. يحاول فتح الطريق المسدود من خلال مملكة الحقيقة الكاملة - الفكرة الأساسية للرواية - لكنه يبوء بالفشل مندحراً أمام القدرة الهائلة للاستغلال المادي والروحي!

تمثل أمامنا صورة سان بطرسبورغ - المدينة الكبيرة التي تدهشك بتباينها الخيالي، إذ تترصد الإنسان البسيط، في كل خطوة من خطواته، عقبات ومشاكل معنوية ومادية، مولدة الصراعات والمآسي والكوارث والأزمات الروحية في داخله، مسقطة إياه في شباك الذل والمهانة والقهر والظلم.

مشهد تعرُّف رسكولنيكوف على مارميلادوف في الحانة يعطي نبضه ويطغى بنغمته على كل مفاصل الرواية..، وعبارة هذا الأخير: (أ تفهم أيها الملك الرحيم، ماذا يعني، أن تكون كل الطرق مسدودة...؟) ترفع مشهد الحانة، وقامة الإنسان الصغير المضحك بطريقته الاحتفالية المنمقة وأسلوبه الإداري-الرسمي في الحديث، وموضوع الرواية..، إلى مستوى الأفكار التراجيدية العليا عن مصير الإنسان والعالم!

يتميز أبطال دوستويفسكي عادة بأن يكون المنولوج (المناجاة) وسيلة أساسية لعكس أفكارهم ومشاعرهم وأحاسيسهم.. منولوج مارميلادوف الذي يشبه كثيراً الاعتراف الديني في لحظة صحو الضمير ويقظته، يُلوِّن أجواء الرواية بأطيافه الحزينة الباكية.

الطرق مسدودة بالنسبة لكاترينا إيفانوفنا التي ماتت من التناقض بين حياتها الغنية المضمونة في الماضي، وحياتها التافهة المعدمة في الحاضر.. شخصيتها الطموحة وطبيعتها المحبة للنفس والرفعة لم تستطع تحمل مشاق الانقلاب الصعب في حياتها!

تضطر سونيا مارميلادوفا - الفتاة البريئة والنظيفة والنقية والطيبة والكريمة - إلى بيع جسدها من أجل إطعام زوجة أبيها المريضة وأولادها الصغار.. فكرة التضحية الذاتية وإبعاد الأنا وتقديم الآخر مجسدة بكل أبعادها في شخصيتها، إذ تسمو بها لتكون حاملة لآلام البشرية جمعاء ورمزاً للصورة المضيئة للكون. مزج دوستويفسكي الألم بالحب، لتكون سونيا ممثلة لحب الناس المؤلم، ومحافظة على بياض روحها في ذلك المحيط القذر الذي لوَّث جسدها وحياتها ومستقبلها.. وبنفس الأفكار النظيفة كانت مفعمة دونيا - أخت رسكولنيكوف، التي أقبلت على التضحية - مثل سونيا - من أجل أخيها الحبيب، معطية موافقتها على الزواج من لوجين.. هذا الأخير كان نموذجاً تقليدياً منحطاً للشخصية البرجوازية الطفيلية العفنة: سفيه، رذيل، حقير، لئيم، وصولي، متعجرف، معتدٌّ بنفسه، يحب إهانة الآخرين، افترى على سونيا الضعيفة وغير المحمية... إنه في بعض صفاته أقرب إلى جورج دوروا التافه والجبان والمنحط - بطل رواية موباسان (بيل أمي) - الذي يصل إلى مركز مرموق بوساطة النساء وأعمال حقيرة (مهينة للكرامة الإنسانية) ويصبح من لا شيء زوج ابنة مليونير.. البطل الذي وصفه أحد النقاد بالخنزير!

يتصف أبطال دوستويفسكي أيضاً بالتفوق في عكس مشاعرهم، فنجدهم متعطشين كثيراً للتضحية بالنفس كما هو عند سونيا، أو في ظاهرة الحب الشديد للأخ - دونيا، أو في الزهو المفرط - كاترينا إيفانوفنا.

انقطاع الأمل وفقدان الرجاء يُدخل الناس في شبكة من المآزق، ويدفعهم لارتكاب الجرائم الأخلاقية ضد أنفسهم.. المجتمع البرجوازي يضعهم أمام اختيار مثل هذه الطرق، التي توصلهم، بأشكال مختلفة، نحو الهاوية وانهيار آخر رموز الإنسانية داخل أنفاقهم المظلمة.

(سونيشكا (تصغير لاسم سونيا) مارميلادوفا.. ستبقى سونيشكا مادام العالم يقف على رجليه)، أو (طالما بقي العالم على ما هو عليه)- حسب باتريك زوسكيند في روايته (العطر).. سونيا الخالدة تلوح في ثياب العالم الحزينة والكئيبة والرمادية عبر تأملات رسكولنيكوف واستشراقاته المريرة.. رسكولنيكوف المتألم لإدراكه صعوبة وضعه بعد انسداد جميع الطرق، والذي لا يجد مع ذلك، في نفسه القدرة على الاعتراف بهذه الحياة والتصالح معها - كما فعل مارميلادوف - يجلس في عزلته تاركاً مجموعة من لوحات الذل والإهانة التي يتعرض لها الإنسان تعبر أمام مخيلته: حادث ساحة حرس الخيالة، انتحار المرأة التي رمت بنفسها من فوق الجسر، موت مارميلادوف.

من عادة دوستويفسكي الإيجاز في وصف الأحداث التراجيدية، لذلك نجده ينتقل مباشرة إلى تحليل نفوس أبطاله وأفكارهم ومشاعرهم، وعلاقتهم بما يجري حولهم.. لوحة الواقع القاسي المرسومة بريشة حادة تعرض التربة الحقيقية التي أنبتت الفكرة حول ارتكاب الجريمة عند رسكولنيكوف، الذي يحاكم ويشجب - بطريقته - هذا العالم بظلمه الاجتماعي الصارخ، وإهاناته للإنسان، وآلامه غير المعقولة.

إن المجتمع البرجوازي نفسه وتركيبته الاستغلالية يولدان الرغبة في القتل، لأن (هذا المجتمع) يقدس القوي ورجل السلطة، ويحترم الغني والناجح والسعيد... في هذه النظرية تتلخص - جوهرياً - فكرة ما فوق الإنسان (السوبرمان)، الذي لا يعترف بأية قوانين أخلاقية، ولا توقفه أية حدود، ويبيح كل شيء لنفسه.

الشق الآخر للدفاع عن جريمة رسكولنيكوف - قتل مخلوق تافه باسم حياة آلاف الناس الذين يستحقون العيش - يمثل شكلاً من التمرد المراهق الفوضوي الساذج.. أو ما يسمى الرد بالمثل، لكن يتبادر للذهن السؤال التالي: لمَ اختار القاتل الحلقة الأضعف (العجوز المرابية)، وليس لوجين ممثل البرجوازية المستغِلة أفضل تمثيل، مادام يريد تحقيق عدالته الطوباوية؟!




كان يفترض بتجربة رسكولنيكوف الأولى (بالقتل) أن تعطيه أجوبة على عدد من الأسئلة: من هو بالذات؟ أ ينتمي إلى فئة الناس الطبيعيين أم غير الطبيعيين؟ هل يمكنه أن يتخطى أفكاره ويتجاوز المبدأ الأخلاقي؟

لابد أنه بارتكابه الجريمة أراد قتل المبدأ الأخلاقي، قتل الإنسان في داخله..، لأن عدم تحمله آلام التشرد والمطاردة والفراغ والانفصال والعزلة ورعب محاسبة الضمير والأخلاق، كان يعني الموت بالنسبة لروحه - روح الإنسان الأولية.. هذه التصرفات تفاقم الصراع النفسي، وتقدم تفسيرها الذاتي الناقص للواقع، وتعطي معالجتها السلبية لقروح الحياة والزمن.. وهذا يمكن أن يتوقف (في مشهد قتل المرابية مثلاً)، أو الطيران بسرعة الحمى بعد القتل.. عنده فقط تتراءى في مخيلة البطل، كما في صندوق الدنيا، الوجوه والأشياء والأحداث.

دوستويفسكي لا يرفع الغطاء عن رسكولنيكوف إلا بعد قتل المرابية (كما رفع شكسبير الستار عن عطيل حين التقى بديزديمونا)، أي بعد أن وجد نفسه في أبعاده الوهمية.. يبدأ بتصوير خلجات نفسه تصويراً فوتوغرافياً، وبصدق مروَّع يجعلنا في كثير من الأحيان نتعاطف مع القاتل، كما تفعل عدسات هوليوود!

هناك أيضاً خاصية أخرى للرواية تتمثل في غياب التتابع المنطقي في نقل مشاعر الأبطال ومعاناتهم، والذي يحدد مستوى الحالة الروحية-المعنوية لهم.. لذلك نجد أن المؤلف يلجأ إلى (الرؤى)، وبضمن ذلك الهلوسات والكوابيس (أحلام رسكولنيكوف وسفيدريغايلوف).. كل ذلك يعمق دراماتيكية الأحداث الجارية، ويرفع من حرارتها الحركية ويجعل أسلوب الرؤى مبالغاً ومطنباً..، مما يقرب العمل الأدبي من الواقعية النفسية السحرية.

كذلك هناك شيء آخر أكثر رعباً، لا يتعلق بلوحات الواقع الرمادية ولا بمعاناة الناس، بل بالرواية ذاتها: غياب أي ضوء في آخر النفق، وانعدام أي بصيص للأمل في إمكان إيجاد مخرج.. عدم وجود حل واقعي لآلام البشرية غير المحدودة، تشكل المأزق الأكثر صدامية في هذا الاستنتاج الذي يقدمه الكاتب في منحنيات تربته الروائية!

إدانة دوستويفسكي العادلة لـ (تمرد) رسكولنيكوف، لا تمنح الانتصار لهذا الأخير المثقف والقوي والذكي..، بل لسونيا التي يرى فيها الحقيقة العليا: الألم أفضل من القتل.. الألم يطهِّر، ينظِّف، ينقِّي...

سونيا تعترف وتؤمن بالمثل الأخلاقية العليا، التي من وجهة نظر الكاتب، هي الأقرب للطبقات الشعبية الواسعة.. مُثل الاستكانة والخضوع والذل والإذعان والسكوت... لكنها رغم تمتعها بالجمال وكل الخصال الحميدة لم ينقذها الكاتب من مصيرها المجهول، كما فعل شكسبير ببطلته المحببة ديزديمونا التي ماتت ميتة قاسية لا معنى لها (حادثة حزينة)- على حد تعبير شيخنا الإنكليزي!

شكسبير يقتص من عطيل بدفعه إلى الانتحار بعد أن فقد حبيبته وفقد معها الانسجام والتوازن (حين أكف عن حبكِ، ستحل الفوضى). بينما يسلك دوستويفسكي مع بطله طريقاً أخرى.. طريقاً أكثر تعقيداً وصعوبة.. طريقاً تدخلنا دون أن ندري في دوامة القتل المبرر (هُوى الجحيم (.. فهو لا يقول (كلا)صريحة لعدمية الطالب التي تمزقه، بل ربما كان سفيدريغايلوف أكثر من يحب في روايته!

في زماننا الذي تتحطم فيه حياة الناس تحطماً لا مثيل له، تبدو سونيا شخصية غريبة وبعيدة عن الواقع.. شخصية أقرب إلى القداسة والنبوة.. كذلك ليس كل رسكولنيكوف معاصر يمكنه أن يتعب ويتألم بعد ارتكابه جريمته!

لكن الضمير الإنساني والروح الإنسانية موجودان وسيبقيان ما بقي (العالم واقفاً على رجليه) حتى ولو كان هذا في غياب أي بوادر للحياة الجميلة والعدالة الاجتماعية والحرية والقانون..، وسيظل واقفاً في وجه سيطرة قوة المال والسلطة والطريق الواحدة.

سيأتي الندم يوماً ما ويحاسب الإنسان نفسه حتى وهو على أبواب القبر ليتوب. سيبكي حينذاك رسكولنيكوف متذكراً (سونيشكا الخالدة). في هذا تتلخص الفكرة السامية للرواية العظيمة، التي كتبها رجل عظيم يعرف جيداً خبايا النفس البشرية!

الحياة لا تطاق في مجتمع يسوده الظلم والفساد، ويتحكم به أمثال لوجين وسفيدريغايلوف..، وفي حالة غياب الحقيقة وتحنُّط القوانين واستشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة والتخوين والتكفير وموت الجمال..، ماذا يبقى أمام الإنسان كي يحصل على حقه؟ كيف سيدافع هذا الضعيف، غير المحمي وغير المرتبط بجهات داخلية أو خارجية، عن وجوده؟

لوحة الألم والمعاناة الإنسانية لم تتغير منذ أن كتب دوستويفسكي روايته الخالدة (الجريمة والعقاب)، فهي مازالت تطغى برماديتها على آفاق العالم وأحلامه، وتعكس حياة الأكثرية المسحوقة في أرضنا العاقر.. وربما لن ينتهي الظلم والفقر والألم إلا مع نهاية الإنسان!

ولكن في قلوب أولئك الذين لم يصبحوا بعد أشراراً، مازال الأمل مستمراً بالتعايش مع آلامهم، حتى ولو كان هذا يجري بصعوبة وسذاجة كبيرة!

المصدر: جريدة "النور" السورية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.bokra.mam9.com
 
الجريمة والعقاب.. هل الألم أفضل من القتل؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى بكرا :: منتدى ديانات وثقافة-
انتقل الى: