قد لا أضيف جديدا عندما أقول أن هذا المسلسل على مدار أجزاءه الستة قام بتعرية كافة مفاصل المجتمع السوري ...
وقد لا أغني الحديث عندما أتحدث عن أن المجتمع السوري مشابه لكثير من مجتمعاتنا العربية إن لم يكن مطابقا لها
لكنني أردت الكتابة عما أثاره هذا المسلسل في هذا العام
وعن المكانة التي احتلها في قلب الشعب السوري خاصة, وفي كثير من ردود الفعل العربية عموما
في اليوم الأول لعرض هذا المسلسل كنت في مدينة دمشق, مباشرة بعد انتهاء الحلقة الأولى, خرجت لقضاء بعض الأمور
وركبت واسطة النقل الأكثر شهرة في سوريا, والتي كانت ربما موضوعا للحلقة الأولى (السيرفيس)
وكان كل من يجلس (بالإضافة إلى السائق) يتحدث عن موضوع الحلقة وعن الفكرة التي قدمتها هذه اللوحة
في اليوم الثاني كانت الأحاديث في الشارع السوري تدور حول إمكانية استمرارية عرض هذا العمل كاملا (بدون اقتصاص)
خاصة وأن الملامح الأولى للحلقتين الأوليتين تعطي انطباعا أن القادم سيكون (أعظم)
وأن نقاطا حساسة كثيرة سيتم التطرق إليها
وبما أن الشارع السوري خبير في الدراما السورية
وخبير قديم جدا في الرقابة السورية أيضا
ولربما كانت الحلقة التي جاء فيها لوحة (سقط سهوا) دليلا على أن القادم مرة ثانية سيكون (أعظم)
ولكن ما يثير الفضول أحيانا
تعليقات البعض من العرب الممتدين من المحيط إلى الخليج
بأن القنوات السورية دائما ما تقدم طروحا جريئة جدا, بل تتعدى كونها مجرد طروح بريئة لكشف واقع سيء
بينما تجد الشارع السوري دائما جاهز لكشف أي (حذف) بسبب الخبرة الطويلة التي تحدثنا عنها
وهو ما يثير موضوع تناول الدراما العربية لمواضيع حساسة بشكل عام
والتجربة السورية الدرامية والمتابعة الجماهيرية والأثر الذي تركته في المجتمع السوري
فمسلسل مثل (وصمة عار) وإبداع مثل (بقعة ضوء)
أغنت المشاهد العربي بالعموم والسوري بالخصوص (نظرا لقربه وصلته المباشرة بكل هذه الأحداث)
وإن كانت بعض المبالغة الدرامية قد تعيب كلا من المسلسلين الأولين, والطرح الكوميدي الزائد أحيانا قد تكون مواضيع شائكة
فيما يتعلق بتقييم هذه المسلسلات السورية الرائعة
نعود إلى بقعة ضوء وضوء على اللوحة المسماة (الجهل ظلام)
ولعلها كانت من أقسى الضربات التي أثارت جدلا كبيرا حول الرقابة التي سيلاقيها هذا المسلسل
خاصة في المشهد الذي يدفع فيه الفنان أيمن رضا فاتورة الكهرباء
ويسأله الموظف حول كيفية دقته في احتساب الفاتورة (عالليرة)
ومن دقق تماما في المشهد وضح له أن الفنان أيمن رضا سحب فقط ورقة (خمسين ليرة) من رزمة المال التي قدمها للموظف
ليقول الفنان أيمن بغصة (هادا الراتب) وهو فعلا ما يعانيه أغلب فئات المجتمع السوري المتوسطة
حيث أن متوسط الدخل 15.000 ليرة سورية, وفاتورة الكهرباء قد تصل لهذا المبلغ في أيام الشتاء
أما لوحة (الرجال موقف) فهي الشباب السوري بأكمله تقريبا للأسف الشديد, ولكم حصلت مع الكثيرين من طلاب الجامعات
أو الدارسين في المدينة والقاطنين في الريف
وتبقى حلقة ليلة الأمس
والتي هي الأخرى شكلت صدمة لدى الشارع السوري المترقب لرقابة معهودة
خاصة في ردود الفعل حول (زيادة الرواتب)
واختلاف التطبيلات والتزميرات بين صحيفة رسمية وأخرى
وبين ما يعيشه الشارع السوري عموما
وفي اللوحة الثانية حول (الرجل البخاخ) والتي قدمت نموذجا رائعا .. ليس حول ردة فعل (الرجل البخاخ)
وإنما حول التعامل الأمني .... حول كل مسألة وقضية
فرجال الأمن ... (شحطوا) كل العدائين الرياضيين ... ونسيوا أو تناسوا بعد حين أنهم ما زالو محتجزين
ومن ثم عادوا و (شحطوا) كل من يرتدي (شماخ)
وفي النهاية .... كلمات الضابط للمثل الشاب (أحمد الأحمد)
سأوفر لك كل ما تحتاجه من (حيطان) و (بخاخات) لتكتب كل ما تريد .... و (تبخ قد ما بدك)
دلالة واضحة ومباشرة عما يقصده هذا الضابط تماما
أعتذر عن الإطالة في الحديث عن هذا المسلسل ولوحاته بالذات
ولكن كل لوحة منه .. تستحق الكثير من الكلام والنقاش
وبالرغم من النقد الذي تعرضت له بعض اللوحات
إلا أن بقعة ضوء هذا العام هي مثال أكثر من رائع لمقولة
(عــنـدمـا يــتــحــول الــواقــع ألــمــا)
